سنة 1956 ..
لما عبد الناصر قرر يقلب على اليهود .. وطردهم من مصر..
كان رد فعل اليهود مش أحسن حاجة..
مشيوا اه.. بس وهما مقررين انهم مش هيخسروا كل حاجة..
وقالوا انهم هيهربوا فلوسهم بره..
و ده كان بسبب سلطتهم الكبيرة على اقتصاد البلد..
ومحدش كان قادر يعرف هما بيخرجوا الفلوس برا ازاى..
لحد ما فــ يوم..
دخل الملازم “أحمد رشدي” قسم في إسكندرية ومعاه مسجون..
ولما اتسأل الملازم مين ده؟
قال دا يهودي مترحل من ليبيا..
وبعد ما رحلوه على القاهرة..
جاله ظابط البوليس السياسي “حسن حسني”..
واتكلم مع المسجون ..
وقاله “احنا مش عارفين جنسيتك ايه.. مصري ولا يهودي ولا انجليزي” !!
بس اللي متأكدين منه أن اليهود اللي انت اتحبست معاهم في اسكندرية كانوا متأكدين انك يهودي زيهم..
و انت كراجل انجليزي أكيد مابتكرهش المصريين..
رد عليه المسجون وقاله.. “لا.. انا مصري زيي زيك”..
قام قاله الضابط.. “ايوااا.. احكي لي قصتك بقى”
من هُنا البداية..
رفعت علي سليمان الجمال..
اتولد في دمياط 1 يوليو سنة 1927.. بعد ما والده توفى سنة 1936..
أخوه سامي بقى هو المسؤول عنه..
رفعت كان طالب مش مهتم بدراسته.. وكان بيحب المسرح والسينما..
اتخرج سنة 1946 واشتغل محاسب، لكن اتفصل بتهمة اختلاس فلوس..
سافر على سفينة وزار موانئ كتير، وبعدين لقى شغل في شركة سياحية في ليفربول..
سافر لأمريكا من غير تأشيرة واتقبض عليه في ألمانيا ورجع لمصر.. بعد ما رجع..
اشتغل في شركة قناة السويس بجواز سفر مزور..
بعد ثورة 1952..
قدر يجيب جواز سفر جديد، لكن اتقبض عليه بتهمة إنه شخصية يهودية..
“بعد أن قضيت زمنًا طويلاً وحدي مع أكاذيبي، أجدني مسرورًا الآن إذ أبوح بالحقيقة إلى شخص ما..
وهكذا شرعت أحكي لــ حسن حسني كل شيء عني منذ البداية..
كيف قابلت كثيرين من اليهود في استوديوهات السينما، وكيف تمثلت سلوكهم وعاداتهم من منطلق الاهتمام بأن أصبح ممثلا..
وحكيت له عن الفترة التي قضيتها في “إنجلترا” و”فرنسا” و”أمريكا”، ثم أخيرًا في “مصر”..
بسطت له كل شيء في صدق..
إنني مجرد مهرج، ومشخصاتي عاش في التظاهر ومثل كل الأدوار التي دفعته إليها الضرورة ليبلغ ما يريد في حياته”
- من مذكرات رفعت الجمال.
بعد ما سمعه الضابط “حسن حسني”..
قاله.. “انت مش قدامك غير حلين”..
الحل الأول .. إما تتسجن بسبب قضايا التزوير الكتير اللي عليك..
الحل الثاني .. يإما انك تحط ايدك في ايدينا و يتمسح ماضي “رفعت الجمال” نهائي..
وطبعًا رفعت من غير أي تردد اختار الحل الثاني.. وحط ايده في ايد الحكومة..
الضابط “حسن حسني” زرع رفعت وسط اليهود عشان يكشف له شبكة تهريب الأموال..
وطبعًا بعد كورس مخابرات محترم..
اتحول رفعت الجمال.. لليهودي “جاك بيتون”..
وبقى عنده باسبور وشهادة ميلاد وكله رسمي من الحكومة المصرية..
وشغلوه في شركة تأمينات مصرية كلها يهود..
وفعلاً نجح رفعت الجمال انه يكون صداقات قوية أوي مع اليهود.. لحد ما صاحب “ايلي كوهين”..
الجاسوس اللي كان بيشغل منصب حساس جدًا وخطر في سوريا..
خلال رحلة رفعت الجمال الطويلة في شغله كجاسوس..
انتقل في عدد من المحطات المهمة عشان يوصل لهدفه، منها فرنسا وإيطاليا والعراق..
زار العراق بمهمة رسمية سنة 1965 في عهد الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف..
وكانت الزيارة ضمن اتفاق الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسوريا..
الحكومات الثلاثة اتفقت على خطوات لتفعيل الوحدة، من خلال خطة التبادل الاستراتيجي للدفاع المشترك..
يعني نشروا قواتهم على أراضي بعض..
العراق استقبلت وحدات من الدول دي زي كتيبة من القوات الخاصة المصرية..
ومجموعة من المخابرات المصرية اللي كانوا شغالين ضد “إسرائيل”..
وكان من بينهم رفعت الجمال..
مرة أخرى وجدت نفسي أقف عند نقطة تحول خطيرة في حياتي..
لم أكن أتصور أنني ما أزال مدينًا لهم، ولكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات..
فمن ناحية روعتني فكرة الذهاب إلى قلب عرين الأسد..
فليس ثمة مكان للاختباء في إسرائيل، وإذا قُبض عليَّ هناك فسوف يسدل الستار عليَّ نهائيًا والمعروف أن إسرائيل لا تضيع وقتًا مع العملاء الأجانب..
يستجوبونهم ثم يقتلونهم..
ولست مشوقًا إلى ذلك..
ولكني كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمصته، كما لو كنت أمثل دورًا في السينما، وكنت قد أحببت قيامي بدور “جاك بيتون”..
أحببت اللعبة، والفارق الوحيد هذه المرة هو أن المسرح الذي سأؤدي عليه دوري هو العالم باتساعه، وموضوع الرواية هو الجاسوسية الدولية..
وقلت في نفسي أي عرض مسرحي مذهل هذا؟…
لقد اعتدت دائمًا وبصورة ما أن أكون مغامرًا مقامرًا، وأحببت مذاق المخاطرة..
وتدبرت أمري في إطار هذه الأفكار، وتبين لي أن لا خيار أمامي..
سوف أؤدي أفضل أدوار حياتي لأواجه خيارين في نهاية المطاف: إما أن يُقبض عليَّ وأستجوب وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة الأوسكار..
- من مذكرات رفعت الجمال.
وقدر علي مدار حياته الجاسوسية أنه ينقل معلومات خطيرة جدًا لمصر..
العميل المزدوج.. !
في 2002..
نزل كتاب عن الجواسيس في إسرائيل بيقول إن الجمال كان عميل مزدوج، وإن الإسرائيليين عرفوا هويته من البداية..
لكن الرواية المصرية بتأكد إنه كان جاسوس مخلص لمصر وقدم معلومات مهمة..
الكتاب بيشير إنه الجمال دخل إسرائيل بهوية يهودية وفتح شركة سفر..
وكان فيه تعاون سري بين المخابرات المصرية والشاباك.. كمان كان له مغامرات نسائية، وتزوج ألمانية بعد عشرة أيام من معرفته بيها..
عودة البطل..
بعد ما خلص رفعت الجمال شغله كجاسوس.. على أكمل وجه بدأ يشتغل في البترول وأسس شركة آجيبتكو..
أنور السادات وجه وزير البترول إنه يهتم به من غير ما يكشف هويته..
لكن الوزارة ما كانتش عندها غير بئر مليحة المهجور، ورفضت تسمح له ينقل البترول بالتنكات..
لجأ للسادات مرة تانية، لكنه ملاقاش مساعدة..
شركته ساءت وزوجته باعتها بعد وفاته لشركة كندية..
عنده ابن واحد من زوجته الألمانية، لكنه مش مصري لأن المخابرات مسحت كل أوراقه..
لما طلبوا منه الجنسية، الطلب اترفض لأن مفيش دليل يثبت بنوته لمصري.
مذكرات الجمال..
قرر الجمالي إنه يكتب مذكراته.. وخلاها عند المحامي بتاعه.. على إنه يسلمها لمراته بعد وفاته بثلاث سنين علشان تكون استوعبت الأمور وقدرت تستعيد هدوءها وتفهم حقيقة جوزها اللي عاش معاها كل السنين دي..
في المذكرات، يحكي عن ازاي عرف يحصل على امتياز التنقيب عن البترول المصري في 1977..
وبعدين رجع مصر..
وفي آخر المذكرات، بيتكلم رفعت الجمال عن إصابته بمرض خبيث وبيتناول العلاج الكيماوي في أكتوبر.. وكتب “الجمال” وصية تفتح في حال وفاته، وكانت بتقول :
هذه وصيتي..
أضعها أمانة في أيديكم الكريمة..
السلام على من اتبع الهدى..
بسم الله الرحمن الرحيم إنّا لله وإنّا إليه راجعون لقد سبق وتركت معكم ما يشبه وصية..
وأرجو التكرم باعتبارها لاغية، وها أنذا أقدم لسيادتكم وصيتي بعد تعديلها إلى ما هو آت:
في حالة عدم عودتي حيا أرزق إلى أرض الوطن الحبيب مصر أي أن تكتشف حقيقة أمري في إسرائيل..
وينتهي بي الأمر إلى المصير المحتوم الوحيد في هذه الحال، وهو الإعدام شنقا..
فإنني أرجو صرف المبالغ الآتية:
لأخي من أبي سالم علي الجمال، القاطن.. برقم.. شارع الإمام علي مبلغ.. جنيه. أعتقد أنه يساوى إن لم يكن يزيد على المبالغ التي صرفها على منذ وفاة المرحوم والدي عام 1935، وبذلك أصبح غير مدين له بشيء..
لأخي حبيب علي الهجان، ومكتبه بشارع عماد الدين رقم…، مبلغ… كان يدّعي أني مدين له به، وليترحم عليّ إن أراد. مبلغ… لشقيقتي العزيزة … حرم الصاغ … والمقيمة بشارع الفيوم رقم… بمصر الجديدة بصفة هدية رمزية متواضعة مني لها، وأسألها الدعاء لي دائما بالرحمة..
المبلغ المتبقي من مستحقاتي يقسم كالآتي: نصف المبلغ لـ… نجل الصاغ … وشقيقتي …، وليعلم أنني كنت أكن له محبة كبيرة..
النصف الثاني يصرف لملاجئ الأيتام بذلك أكون قد أبرأت ذمتي أمام الله، بعد أن بذلت كل ما في وسعى لخدمة الوطن العزيز، والله أكبر والعزة لمصر الحبيبة إنا لله وإنا إليه راجعون رأفت الهجان ..
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله..
وفاة الجمال..
وفي يوم 30 يناير 1982..
توفى رفعت الجمال بعد معاناته لمدة 9 شهور مع مرض سرطان الرئة في مرحلة متأخرة..
وكان موصي انه مايدفنش في مقابر اليهود.. وكتب قصة حياته بالكامل.. واتفتحت وصيته بعد 3 سنين من وفاته..
انت بقى بعد ما قرأت قصة حياة رفعت الجمال.. مصدق احتمالية انه ممكن يكون كان عميل مزروج فعلاً زي ما اسرائيل قالت؟؟