اختلفت تفاصيل مصرع القذافي، لكن الثأر والانتقام كانوا المحور المشترك في كل الروايات..
بداية من التدخل العسكري لحلف الناتو.. لحد القصف العنيف والعشوائي من مدافع الميليشيات اللي كانت ضد القذافي..
القذافي تولى السلطة في سن العشرين بعد مسيرة دراسية غير ناجحة..
وقد يكون شغبه هو السبب في نقله إلى معاهد سبها في الجنوب الليبي شبه الصحراوي، حيث ان الرمال المتعرجة تثيرها رياح الغرب الجافة..
عاش حياة صعبة، بين قسوة العيش في الأرض وبين الأحلام بالخلود في السماء..
احتمال ليخفف من غضبه بسبب الظلم وعدم العدالة بعد الاستقلال…
قضى وقتًا طويلًا هناك..
وبعدين رجع إلى مدينة “مصراتة”، حيث لفتت عينه حركة النمل لتجار أثرياء يمتهنون التوريد عبر البحار..
مغمّرين الأسواق الليبية بمنتجات الحضارة الغربية الممزوجة بدماء شعوب العالم الثالث المستعمَرة.
بدأت أحلامه تتشكل من خلال ظلم الحياة.. وزادت رغبة الانتقام ..
بعد سنوات، التحق بمدارس الحربية ليصقل انضباطه ويكتسب فهمًا لمعنى الوطن..
كانت تلك الفترة مليئة بالأحداث والأيديولوجيات والرغبة في التحرر من الاحتلال الإيطالي وبناء أوطان جديدة. تخرج ضابطًا عسكريًا ثم انتقل إلى أكاديمية عسكرية بريطانية لاستكمال تدريباته.
اعتنق القومية العربية الناصرية وشارك في دعم القضايا العادلة في الأمة العربية..
كوّن ورفاقه مجموعة ناضلت في معركة الجلاء ببنزرت التونسية في الستينات، متحركين بروح الشباب والنخوة العربية لدعم الثوار تحت قيادة بورقيبة.
نسج العقيد معمر القذافي شبكة معقدة في المجتمع مثل العنكبوت..
بعدما وصل حبل استشعارها بجنبه واختفى في قصور مظلمة تحت الأرض، محمية بشدة تصل أحيانًا إلى آلاف الأمتار، ومزودة بالكهرباء..
ذلك بعد أن تعرض لعدة محاولات اغتيال فاشلة من مقربين له، كانوا مستائين من تملصه من تعهداته وسوء الأوضاع في البلاد..
أوهم القذافي أصحاب العقول البسيطة بأنه القائد الرمز، وأنه سيكتفي بدور الحكيم والفيلسوف..
وأن الشعب في الجماهيرية يحكم نفسه بنفسه كأرقى شعوب العالم..
أما الديمقراطية، فكان يصفها بأنها “كبة كبرى”، وأنها مجرد تمثيل وتدجيل..
بهذه الطريقة، حسم الصراع الأبدي على السلطة في دول العالم الثالث.
انهيار بيت العنكبوت
لما اهتز عرش الطغيان في تونس..
كان طبيعي إن بيت العنكبوت ينهار..
خصوصًا بعد ما بقى أحد أعمدته مهدد بأمواج ثورية جرفت كل شيء أمامها..
بعد ما قمع الشعب بالنار والحديد لسنين طويلة..
خرج شيخ الثوار ليلقي دروسًا في الثورية تتناقض مع كل اللي كان يؤمن بيه لسنوات..
وراح يقنع الثوار والجيران إن زين العابدين بن علي ما فيش بديل له، وإنهم هيندموا على رحيله يوم ما ينفع فيه الندم..
قال المتابعين إن الرسالة كانت موجهة لثوار تونس، لكن فحواها كان تحذيرًا لشعبه من انفلات الأمور..
وده زاد من حالة الارتباك والانفعال اللي كان فيها..
نصحه المقربون إنه يتبنى شوية دبلوماسية عشان يهدّي الغضب..
فكتب رسالة ثانية حاول فيها يصلح ما غلط فيه في الأولى..
وفهم الشعب الليبي اللي لازم يعمله..
و الإجابة وصلت في 17 فبراير 2011..
قُتل العقيد بعد ما دافع بشدة عن كرسيه، وسقطت كل شعاراته اللي حاول يرسخها على مدى 42 سنة في وقت قليل جدًا.
أعلن محمود جبريل، مدير المجلس الانتقالي الليبي، عن مقتل معمر القذافي في هجوم للمعارضة على مسقط رأسه سرت..
كان القذافي لسه عايش لما تم القبض عليه..
لكن جبريل قال إن القذافي اتصاب قبل ما يُقبض عليه..
واتقتل في تبادل نار بين قواته وقوات المجلس الانتقالي وهو في الطريق لطرابلس..
حبال الكذب مهما طال زمنها قصيرة، ومصير المستبدين دايمًا في مزبلة التاريخ..
ده لعنة دماء المصلين اللي اتقتلوا في الشوارع زي الكلاب الضالة..
ولا لعنة 900 سجين مضربين عن الطعام، اللي اختفوا بسرعة ودُفنوا في أقل من ساعتين؟..
ولا لعنة الأمن اللي نبش قبر جمال عبد الناصر ودفعت عليه مليارات الدولارات عشان تخلده كرمز، وهو مات من غير ضريح؟ ولا لعنة المظلومين الكادحين في الدول المجاورة..
اللي جابوا الجزاء في الدنيا قبل الآخرة زي ما وعد رب العرش الكريم؟
احنا بنحكي القصة دي مش عشان ننتقم.. لأن ده مش جائز حتى مع الكلب العقور، لكن عشان لسه في ناس زي معمر القذافي، أو حتى أسوأ منه، يمكن يكونوا عبرة لهم، فالله يمهل ولا يهمل، وعقوبة الظالم دايمًا في الدنيا قبل الآخرة.