﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾
وسط حكايات الأنبياء، بيظهر عالم حكيم..
بيقولوا إنه عاش من زمان أوي..
ويمكن لسه عايش لحد دلوقتي.. محدش عارف أصله ولا حياته بتمشي إزاي..
هل هو نبي يوحى إليه؟.. ولي من أولياء الله؟.. ملاك بيعيش وسط البشر؟.. ولا مجرد عبد صالح ليه حكمة مش معروفة؟
كل اللي نعرفه عنه.. مجرد قصص بيتنقلها الناس عبر الأجيال..
وكل قصة بتزيده غموض أكتر..
ظهر لسيدنا موسى، وعلّمه حاجات خفيّة عن أسرار الكون والقدر.. وبرغم إن سيرته مذكورة في القرآن -وتحديدًا في سورة الكهف- .. بس برضه حكايته لسه مليانة ألغاز…
ما اتذكرش اسمه بشكل صريح..
بس اتعرف علي مدار العصور باسم “الخضر”..
أول ظهور للخضر
في يوم من الأيام..
سيدنا موسى، عليه السلام، طلب يتعلم من علم الخضر عند مجمع البحرين، وقال له:
﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾..
الخضر كان عنده علم وحكمة مش عند حد تاني، وفيه جدل كتير حوالين كونه نبي ولا مجرد ولي صالح.
في ناس كتير بتختلف في تفاصيل شخصيته. الصحابي عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.. قال ان هو المقصود في الآية دي..
﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾..
لكن ابن عباس كان ليه رأي مختلف، وقال إنه كان آصف بن برخيا، مش الخضر..
وبرغم من إن الناس بيحبوا يقولوا إنه لسه حيّ لحد دلوقتي، إلا إن العلماء اتفقوا إنه خلاص مات من زمان..
الخضر مش شخصية خاصة بالإسلام بس.. هو كمان شخصية مهمة في ديانات تانية زي المسيحية واليهودية و كمان الدرزية..
بيشوفوا الخضر كرمز للقوة والحكمة، وحامي للبحار، ومُعلِّم للمعرفة السرية..
أصل الخضر
الخضر بيفضل شخصية غامضة ومقدسة عند ناس كتير.. ودوره بيفضل محفور في خيالهم.. مع إنه مش باين دايماً إنه شخص واحد.. إلا إنهم بيشوفوه زي روح بتظهر وقت الأزمات.. وبيساعد كل اللي بيحتاجه..
الروايات كتيرة ومختلفة حوالين نسب الخضر..
وده كان دايماً موضوع جدل بين العلماء..
ابن كثير ذكر في كتابه “البداية والنهاية” إن الخضر ممكن يكون ابن سيدنا آدم نفسه، وبيحكي قصة تقول إنه كان له عمر طويل عشان يشهد ظهور المسيح الدجال ويكذبه.. الرواية دي نقلها عن الحافظ ابن عساكر، لكنها بتعتبر منقطعة وغريبة..
في روايات تانية بتقول إنه كان قابيل بن آدم، وبعضهم بيقول إنه بليا بن ملكان أو المعمّر بن مالك بن عبد الله..
وواحدة من الروايات بتقول إنه ابن عمائيل من نسل إسحاق..
كمان، في ناس بتعتقد إنه كان من سبط النبي هارون، أخو سيدنا موسى، لكن القول ده بيعتبر بعيد..
فيه رواية تانية بتقول إنه ابن بنت فرعون..
أو حتى إنه فرعوني في الأصل..
وكمان في بعض الأقوال بتربطه بالنبي اليسع..
وبعض العلماء شايفين إنه من نسل فارس، وكان أبوه فارسي وأمه رومانية، أو العكس..
وفي النهاية.. فيه كمان رأي إنه كان اللي أماته الله مئة سنة ثم بعثه، زي ما ذُكر في سورة البقرة..
هل مازال الخضر حي؟
تعددت الأقوال، وكل حكاية بتدي تفاصيل مختلفة بشكل مختلف..
لكن كلها بتزود الغموض حوالين شخصية الخضر ونسبه اكتر واكتر..
العلماء اتفقوا إن الخضر ميت زي باقي البشر.. لكن في كتب كتير بتروي قصص عن إنه لسه عايش.. رغم إن الروايات دي سندها ضعيف وما فيش دليل قوي عليها..
وفي كتاب “البداية والنهاية”.. جت حكاية بتقول إن الخضر كان أطول بني آدم عمرًا.. وإنه دفن آدم بعد الطوفان.. وإنه عاش فترة طويلة بسبب دعوة من سيدنا آدم بطول العمر..
كمان اتقال إن الخضر شرب من عين الحياة.. وده كان سبب إنه يفضل عايش.. لكن الشيخ عبد الله بن جبرين أنكر الرواية دي وقال إنها غير صحيحة وإن ما فيش حاجة زي نهر الحياة اللي بيخلي اللي يشرب منه يعيش للأبد..
قال كمان إن القصص اللي بتتكلم عن ناس زي الخضر وإلياس وذي القرنين اللي عايشين لحد دلوقتي مالهاش أصل..
وفي “مجموع الفتاوى” لابن تيمية..
جابوا عن سؤال هل الخضر وإلياس لسه عايشين أو معمّرين.. وكان الجواب إنهم مش في الأحياء..
واستشهدوا بحديث النبي محمد ﷺ اللي بيقول فيه إنه مش هيبقى حد على الأرض بعد مية سنة..
وده بيأكد إن الخضر خلاص توفى زي باقي البشر..
الخضر في الديانات
في المسيحية.. الخضر بيعتبر شخصية مقدسة.. والناس بتقول إنه هو نفسه مار جرجس..
الحكاية المشهورة عند المسيحيين بتقول إنه فيه تنين كان بيطلع كل سنة على سكان بيروت، يخوفهم ويقتل منهم..
عشان يخلّصوا من الشر ده، أهل المدينة اتفقوا يقدموا له بنت جميلة كل سنة عن طريق القرعة..
وفي سنة من السنين، القرعة وقعت على بنت حاكم المدينة. البنت كانت مؤمنة، ففضلت تدعي لربنا ينقذها..
فجأة، ظهر لها مار جرجس وهو راكب حصان وبيده حربة..
لما التنين طلع يهجم عليها..
مار جرجس باغته وضربه بالحربة.. فمات التنين في الحال.. الحاكم بنى كنيسة في المكان ده عشان يكرم مار جرجس.. وبيحتفل المسيحيين بعيد مار جرجس كل سنة في 23 أبريل.. لأنه استشهد في اليوم ده سنة 303 ميلادي بعد ما اعتنق المسيحية على أيام الإمبراطور دقلديانوس..
أما في اليهودية.. قصته قريبة من القصة اللي عندنا في الإسلام عن سيدنا موسى والخضر.. بس الشخصيات مختلفة شوية..
القصة بتقول إنه يوشع بن لاوي طلب من ربنا إنه يقابل إلياس، وربنا استجاب..
لما اتقابلوا، يوشع طلب من إلياس إنه ياخده معاه في رحلته ويعرفه أسرار معينة، وإلياس وافق بشرط إنه ما يسألش عن أي حاجة يشوفها..
القصة دي زي اللي عندنا في الإسلام.. بس الأسماء والأحداث مختلفة شوية..
في النهاية.. اختلفت الآراء حول نبوّة الخضر.. بعض العلماء بيقولوا إنه نبي، زي ما ذكر ابن حجر لما استشهد بكلامه لموسى في القرآن:
(وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)
بمعنى إنه كان بيوحى إليه.. فهل فعلًا نزله الوحي ولا كان بيوحي إليه من غير وحي؟؟ ..
كمان ابن عطية نقل عن البغوي إن أغلب العلماء شايفين إنه نبي، لكن اختلفوا إذا كان رسول ولا لأ..
ابن عباس ووهب بن منبه قالوا إنه نبي بس مش مرسل..
وفي روايات تانية..
زي إسماعيل بن أبي زياد ومحمد بن إسحق.. بيقولوا إنه كان رسول لقومه واستجابوا له.. وده الرأي اللي نص عليه ابن الجوزي..
وفي أقوال تانية بتقول إنه ولي من الأولياء، أو إنه ملك من الملائكة، أو عبد صالح..
بس الحقيقة احنا ما نعرفش هل هو ملك أو نبي أو عبد صالح..!
انت بقي تفتكر ان الخضر ده ملك ولا نبي ولا عبد صالح؟ وتفتكر هو عايش معانا كل ده فعلًا ولا مات من زمان؟؟